أعطني إياه ، فامتنع من إعطائه وسمح له بأكل قطعة منه في وقت آخر وأظهر بخله عليه ، فصمم أنه يعطيه إياه فأبى ، ثم أذن له أن يأخذ من رأسه المحدود شيئا قليلا بفمه فإن قليله في النفع كثير ، فأخذ فلم ير له مطعما ليرى له فيه مطعما (١) فكاد يمجه من فمه ، فقال له : ابتلعه لتنال نفعه ، فابتلعه فقال : اشهدوا يا مخاديم أني أطعمته فحما وأني بررت في يميني يوم كذا ، فضحكوا وانشرحوا ، وظهر أنه اصطنع فحمة على تلك الهيئة ودهنها أو نحوه وذهّبها وسماها من عند نفسه.
ومنها أنه حضر بمصر في مجلس الأمير جمال الدين بن أبي إصبع الحلبي ، فقال له في الملأ العام : يا قواد ، فقال : إني أشتهي أن لو كنت قوادا ، ولم يظهر ضم التاء من قوله كنت ولا فتحها بل سكنها ، وأشار إلى الأمير جمال الدين بيده أي أنت ، فضحك الحاضرون والمقر الجمالي لم يفطن له إلا بعد حين ، فقذفه فلم يبال بقذفه له ولا قطع كلامه فيه كأنه لم يسمع منه قدحا بل مدحا.
٧١٦ ـ إبراهيم الحمّامي الشاعر المتوفى سنة ٩٢٦
إبراهيم الأنطاكي ثم الحلبي المعروف بأصطا إبراهيم الحمّامي.
كان شاعرا ذا ذكاء وذوق مع كونه عاميا. وله موشحات وتصانيف وأعمال مويسيقية مشهورة على لحن فيها وديوان حافل سماه «برهان البرهان». ومن شعره مضمنا :
وبي رشأ حاز الجمال بأسره |
|
له طلعة فاقت على شفق الفجر |
تحير فيه الواصفون لحسنه |
|
وقالوا عجزنا عنه بالفكر والذكر |
فقلت لهم هذا الذي صح أنه |
|
كما شاعت الأخبار في البر والبحر |
تراءى ومرآة الزمان صقيلة |
|
فأثر فيها وجهه صورة البدر |
وله أيضا :
مقلتي يوم النوى إذ رحلوا |
|
طلقت من أجلهم طيب الكرى |
إن تسل عما جرى من أدمعي |
|
فوق خدي بعدهم ياما جرى |
__________________
(١) في بعض النسخ المخطوطة : مطمعا.